د. عبدالمحسن الخرافي في مقاله أبناء الكويت الكرام
يتناول سيرة العم عبدالله محمد العتيقي وبعض من تاريخ رجالات عائلة العتيقي.
أثبتت المواقف العملية أن أبناء الكويت دائمًا وأبدًا على قلب رجل واحد، ولم تفرقهم المصالح الشخصية البتة في يوم من الأيام، وقد تعددت المواقف الجميلة والمآثر الطيبة، التي ذكرناها تباعًا في سلسلة «قدوات من بلدي»، ومن قبلها في سلسلة «التاجر الأسوة» (بأجزائه الثلاثة)، لتؤكد هذه الحقيقة الراسخة وهذه الأخلاق الجميلة عند أهل الكويت الكرام، ومن المواقف الجميلة التي يستأنس بذكرها في هذا المقام موقف العم عبدالله محمد عبدالله سيف العتيقي رحمه الله تعالى، وإخوانه الكرام من تجار الكويت، الذين ضربوا أروع الأمثلة في الجرأة والشجاعة، ويمثلها في هذا الموقف العم عبدالله العتيقي، والإيثار والمروءة ويمثلها في هذا الموقف إخوانه تجار الكويت الكرام.
ويتلخص هذا الموقف الجميل ضمن ما تيسر من توثيق تراث عائلة العتيقي الكرام في ما يلي: «كانت تجارة السلاح من أبرز أنواع التجارة، التي برع فيها أبناء الكويت الكرام في كويت الماضي، وعلى الرغم من التحذيرات التي فرضتها بريطانيا على الدول، التي كانت تتعاون مع الفرنسيين، ومنها دولة الكويت، فإن أهل الكويت الكرام لم يتوقفوا يومًا عن هذه التجارة، والجميل في الأمر أنها كانت تتم بعلم من حاكم الكويت آنذاك الشيخ مبارك الصباح رحمه الله تعالى، الذي كان ينكر وجود تلك التجارة في بلاده حتى لا يثير غضب السلطات البريطانية، إلا أن ذلك كان عكس المتفق عليه بين الشيخ مبارك وتجار السلاح بالكويت، لأنه من المسلم به أن أية دولة من غير السلاح تكون منزوعة الإرادة، معرضة لإغاراة الأعداء والمتربصين في أي وقت، ولكنها إذا ملكت الرجال والسلاح كانت بلا شك قادرة على الدفاع عن أراضيها ضد أي معتدٍ، وكان التاجر عبدالله العتيقي أحد تجار السلاح المعروفين والشجعان، فقلما تجد رجلاً يتاجر في السلاح آنذاك إلا اتسم بالشجاعة والإقدام لما وضحناه من أسباب.
كانت هذه مقدمة ضرورية لنقل صورة عامة عن تجارة السلاح في الكويت قديمًا، أما عن موقف العم عبدالله محمد عبدالله سيف العتيقي رحمه الله تعالى وإخوانه الكرام من تجار الكويت، فيتلخص في أن العم عبدالله العتيقي رحمه الله تعالى كان الوكيل الحصري لأحد التجار من مسقط في توريد السلاح والفشق (الذخيرة)، وظلت العلاقة بينهما على ما يرام لسنوات عدة، وكانت الأسلحة تُشحن من خارج الكويت إلى التاجر عبدالله العتيقي في الخفاء عن أعين الحكومة البريطانية، ومن شجاعته وجرأته أنه كان يختمها في مخزنه بختم خاص تمييزًا لها عن باقي الأسلحة التي ترد الكويت (وسم العتيقي)، ونظرًا لنشوب خلاف بين التاجر عبدالله العتيقي وصاحب الوكالة التاجر العماني، كان من أثر ذلك تنازل التاجر عبدالله العتيقي رحمه الله تعالى عن تلك الوكالة.
وبعد مرور أيام عدة على تنازله عن الوكالة، ونظرًا لحرص صاحب الوكالة العماني على استمرار توريد السلاح إلى دولة الكويت، زار هذا التاجر الكويت بحثًا عن أحد التجار الكويتيين ليحل محل التاجر عبدالله محمد العتيقي في قبول الوكالة منه، ولكن هيهات أن يتحقق له ذلك في ظل هذا المجتمع الأخوي المترابط، حيث الأصول والمبادئ التي تحكم المجتمع الكويتي، فكان تجار الكويت عندما يمر عليهم التاجر العماني أثناء جولته في البحث عن وكيل جديد، بديلاً عن التاجر عبدالله محمد العتيقي، كانوا يسألونه عن الوكيل السابق وعن سبب ترك الوكالة، وعندما يعلمون أنه التاجر عبدالله محمد العتيقي كانوا يعتذرون مباشرةً عن قبول تلك الوكالة بديلاً عنه، مهما كانت المغريات المادية والمميزات، التي كان يعرضها عليهم التاجر العماني تحفيزًا لهم على قبول الوكالة بديلاً عنه، بل إنهم كانوا ينصحونه باسترضاء التاجر عبدالله محمد العتيقي والسعي إلى عودة الوكالة إليه مرة أخرى، نظرًا لما يتمتع به من سمعة طيبة وأخلاق نبيلة بين إخوانه من أبناء الكويت الكرام، ليس هذا فحسب، بل لسمعته الطيبة خارج البلاد أيضًا، نظرًا لأمانته وصدقة وشهامته ومروءته التي عهدها عنه الجميع».
وقد كان العم عبدالله محمد العتيقي رحمه الله تعالى المتوفى سنة 1912، من المحسنين ومن المهتمين بعمارة المساجد، حيث أوقف أربعة منازل في فريج المطران على مسجد أبيه محمد عبدالله سيف العتيقي، الكائن بمنطقة المرقاب، والذي تأسس عام 1892، وتصرف غلتها رواتب للإمام والمؤذن.
إلى هنا انتهى هذا الموقف الجميل عن العم عبدالله محمد عبدالله سيف العتيقي رحمه الله تعالى وإخوانه الكرام من تجار الكويت رحمهم الله تعالى جميعًا.
ومـن خـلاصة مـا وردنـي من وثائق عـديدة عـن عــائلة العتيـقي الكريمة مـا يـلي: «عائلة العتيقي»، المعروفة في دولة الكويت، وأصحاب الديوان المعروف بمنطقة الفيحاء، وهم من بين أقدم العائلات النجدية استيطاناً في دولة الكويت، حيث انتقل جدهم سيف بن حمد العتيقي وأسرته إلى الكويت نازحًا من منطقة سدير بتاريخ 23 مارس عام 1775، ويعود نسبهم إلى عشائر بني سالم من قبيلة حرب، ومن أبناء هذه العائلة العديد من الرجالات، الذين برزوا وساهموا في تاريخ الكويت قديمًا وحديثًا، فمنهم على سبيل المثال لا الحصر: الحاج عبداللطيف عبدالله صالح سيف العتيقي، أحد أشهر المحسنين في سنة «الهيلق» 1867م، ومنهم الملا عبدالله حمد العتيقي كاتب الشيخ مبارك الكبير ومستشاره الشخصي منذ بداية تولي الحاكم إلى سنة 1907، ومنهم الملا محمد حمد العتيقي أحد رجالات مبارك الكبير، وأحد المشرفين على بناء سور الكويت الثالث سنة 1920، ومنهم الفارس سيف علي العتيقي من رجالات الشيخ مبارك الكبير الخاصين، ومبعوثه إلى الحكام والأمراء والدول، وشهيد معركة الجهراء سنة 1920، وغيرهم الكثير من الذين خدموا وطنهم ومجتمعهم على كل الأصعدة.
ومن الجدير بالذكر أن لعائلة العتيقي باع طويلة في العمل الخيري، فمن أوجه الإحسان على سبيل المثال لا الحصر بناء المساجد في دولة الكويت والوقف عليها، وهي: مسجد عبدالعزيز حمد العتيقي في منطقة المباركية، والذي تأسس سنة 1830، ومسجد محمد عبدالله سيف العتيقي في منطقة المرقاب، والذي تأسس سنة 1892، ومسجد حمد عبدالمحسن العتيقي في منطقة الشامية، والذي تأسس سنة 1967، ومسجد مريم محمد عبدالله سيف العتيقي في منطقة الأندلس، والذي تأسس سنة 1984، ومسجد محمد سالم العتيقي في منطقة السالمية، والذي تأسس سنة 2016، وغيرها العديد من المساجد التي أنشأها أبناء عائلة العتيقي الكرام خارج دولة الكويت.
ولا يسعنا في نهاية حديثنا إلا أن نثني خيرًا على الأخلاق النبيلة والسامية لأبناء الكويت الكرام، التي عكست حرصهم على التكاتف والترابط على قلب رجل واحد، فتركوا بصمات مميزة في تاريخ الكويت، حيث أثبتت أخلاقهم العالية أن المروءة والتعاون من أساسيات النجاح والسمعة الطيبة.


